مضى عام على حرب غزة وما خلفته من آثار , وبينما كنت افكر وأنا اسير في طرقات مدينتي , التقيت فتاة يافعة لفتت نظري بسييرها المتثاقل وشفتاها اللتان تتمتمان , احيانا تقف وتصرخ آخ ... واحيانا تنادي كالبلهاء بكلمات غير مفهومة
اقتربت منها كعادتي الحشرية وسألتها بدون سلام ما بك ... من تكونيين ..
وقفت ونظرت الي نظرة غاضبة حاقدة ....
لم آبه لتلك النظرة وكررت السؤال ولكن بلطف اكثر من السابق
اجابت : غريب ؟؟؟ ألست من هذا العالم !!!!! أم اتيت من كوكب آخر ..
قلت : باستغراب ودهشة ولماذا ...
ردت على الفور : لدي سؤال ... ابحث عن جواب ؟؟؟؟ هل تملكين !!!!
قلت : لن اعدك ولكن سأحاول...
قالت : رغم عجزك ولكن سأقول .... وهل نملك غير القول والقول فقط ....
اولا : لماذا صار اهل غزة مشكلة هذا العالم , أنا من غزة ومشتاقة لأهلي.. ومدرستي وجيراني وكل زاوية في اركان منزلي ..
اجبتها على الفور وما يمنعك:
ردت الم اقل لك انك من كوكب آخر ....
فغزة محاصرة وبعيدة يا سيدتي (( عذرا دعيني اناديك سيدتي لآن كلمة الاخوة لم تعد موجودة ))
محاصرة يا سيدتي وكل يوم يبنى فيها جدار ومن كل الجهات (( عدا البحر فقد زرعوه اعمدة بشرية منتصبة كاللوح وتركوا لنا فسحة صغيرة لاصطياد السمك الصغير مدعين أن له فوائد صحية )) وبضع امتار لنقضي امسياتنا الجميلة باستماع صوت البحر الهادر مع عدم اصدار اي صوت من جهتنا كي لا نزعج تلك الامواج الهادرة والالواح المنصوبة ..
أما باقي الجهات فإن عدونا التاريخي اسرائيل ولا ألومها بنت جدار وعليه آلاف مؤلفة من التكنولوجيا المتطورة , وابتسمت.... تقولين!!! خصصت تلك التكنولوجيا لنا وحدنا نحن الغزاويين , يدخلون متى شاؤوا ويقتلون من شاؤوا ,ونحن يجب ان نكون صاغرين لهم مبتسمين لأن المقتول ارهابي ومخرب ويجب التخلص منه ..
أما اجمل جدار فلونه رمادي إنه فولاذي قوي متين يبنى لاجل جمال مدينتي وحمايتها من الاعداء ...
وصدقيني رغم صغر سني ورغم حفظي لحكايا جدي . لم يوجد عبر الازمنة , أجمل من هذا الجدار ..
إنه عميق كعمق اصحابه ؟؟؟
شاهق كالاهرامات .... أتسمعين بالاهرامات؟؟؟؟؟؟
والعالم كله فرح بالانجاز الحضاري الجديد !!!!!!!!
يا الهي يا سيدتي : كم تغيرت خارطة بلادنا , ,,
لم تعد حدود مصطنعة صنعها الاستعمار ... فهذا ظلم إن اتهمنا الاستعمار بذلك ...
كما أن هناك بعض الجبال والاغوار تهدم وذلك لتحويلها ارض زراعية واسعة
كاراضي هولندا فيها الاعشاب وذلك لتربية الابقار , لان معدتنا لم تعد تستطيع شرب حليب النوق ولا الجمال (( اليست حضارة ))
فحاولت مقاطعتها : فقالت دعيني اقول وكما قلت سابقا بأننا لا نملك إلا القول ..
صرخت بقوة : يجب ألا نكون .. هم مصرون على ابادتنا جميعا ...
نحن لا مكان لنا على هذه الارض....
لا يتركونا نرحل .. بل يجب ان نموت كي لا نلوث اجوائهم الصافية ..
كنا نقول بلادنا كبيرة وشعبنا أكبر وعظماؤنا أكثر .. نعم هم كذلك ولكن ليسوا لنا بل للحضارة الحديثة التي تعلو بهم فوق السحاب...
وصدقيني : لن يلامسوا الارض مطلقا ... وسيبقون فوق السحاب . فاقدين حتى الجاذبية الارضية ..وسيكون لنا مراقبين وعلى المراقبين مراقبين .. ذاك يشدنا نحو الاعلى .. وذاك يشدنا نحو الاسفل ...
لا خيار ؟؟؟ لا شمال ولا جنوب او شرق او غرب , فقط نحو الاعلى او الاسفل !!!
وصمتت والدموع تملآ عينيها وقلبها الصغير تملأه المرارة , فحاولت أن اخفف عنها بكل ما أحمله في ذاكرتي من تاريخ امتنا العربية وما مرت به عبر اجيالها وكيف تجاوزت المحن واسترسلت بالذكريات ... فقاطعتني هامسة بصوت منخفض وفيه حشرجة والم وقالت : أما زلت ترددين بلاد العرب اوطاني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟