كما أن لكل شخص طريقته الخاصة في رواية وسرد القصص, فللطبيعة أيضا طرقها الخاصة في رواية أحلى وأجمل الكلام وهي كذلك تستطيع فهم كل ماهو قابع في قلوب الناس ففي سفري من بلدتي تعز إلى العاصمة صنعاء كانت هناك وقفات رائعة مع تلك الطبية الخلابة التي قد أسرت جميع جوارحي....
فمشاهدة تلك الجبال الصماء والفارعة من أمامي وجانبي وهي تخبرني عن الشدائد التي تمر بها وتواجهها في الحياة وتتلوها تلك المراعي المكسوة بالرداء الأخضر الجذاب التفاوت الألوان وقد أخبرتني عن وجود نهاية لكل شدة وهي الفرج من أوسع الأبواب....وقد أرتني تلك المدرجات الخضراء الخلابة تخرج من جوانب الجبال أنه في صلب كل مصيبة حكمة وجمال خلاب....
أما تلك التي نخاف من الاستمتاع بها في جبل سماره والتي توحي بالحب والحنان لمن يراها....
أما رحلتي من صنعاء إلى الحديدة فقد كانت قصة أخرى
فتلك الروابي والوديان الغناء كانت تناديني قائلة: تعالي إلى أحضاني لنجزل لك العطاء ونحيطك بالحنان ونكسوك بالحب, فنحن نحتضن كل وحيد قد عاش يكابد مع روحه مرارة الوحدة وعلقم أحزانه لنزيل عنه وننسيه أحزانه ونستبدلها بالفرح والسرور...
وبينما أنا أتفكر بما قد قالته تلك الوديان حتى لفت انتباهي صوت ملؤه النشاط , فما كان إلا نبع صغير يشق طريقه تارة عبر تلك الصخور المتراكمة أمامه و تارة من خلال تلك الرمال الممتدة....
قائلا:إن طريقي طويل كطول طريقكم يا بني البشر, فأنتم تكافحون لتنالوا ما تريدون وأنا أكافح لأرى نفسي حرا طليقا وقد محتضنا مياه البحر المالحة الواسعة, فأنا أواجه الحفر و الإلتواءات والأحجار التي تحاول منعي من مواصلة طريقي ولكني لا أتوقف عندها وأواصل من خلالها,أما انتم فتتخطون العقبات التي قد وضعها لكم بشر مثلكم فهيا بنا ليصل كل منا لما ينشده......
وعند وصولنا لوح لي البحر فاتحا ذراعيه بعد طول غياب وأخبرني عن أولئك الذين يأتون ليرموا له ما قد أثقل كواهلهم وأرواحهم, ليذيبها في أعماقه بعد تأخذها أمواجه بعيد ـ ولعل هذا سبب ملوحته ـ ناصحا لي لأفعل ما فعلوا!!!!!!!!
أما طريق عودتي إلى غاليتي, فقد كان مختلفا وغريبا فبرغم خوفي من تلك لصحراء ورمالها المصفرة إلا أنها قد آنستني وحكت لي حكايا جميلة عن الذين يريدون الحياة رغم الصعاب وقد ذكرتني بتلك المدرجات, فقد عرفتني على تلك الشجيرات المتناثرة في أنحائها وتلك الأشجار العالية فسألتها كيف أستطعتي أن تخرجي من بطن هذه الصحراء القاحلة والجافة؟ أجابتني قائلة: لنا أوجه شبه بيننا وأنتم يا بني البشر,فمنا من تغلبه الصعاب ومنا من يغلبها ليخرج ويستنشق هواء الحياة...
فرأيت مجموعة أشجار تحتضن بعضها لتكون واحة جميلة فتساءلت نفسي كيف ولماذا؟؟
أحست بي فهمست لي من بعيد مع الرياح القادمة من هناك حاكية عن نتائج التكاتف والتعاون والحب المتبادل فهو سبب وصولهم إلى ما هم عليه من جمال وسط الصفار....
وهاهي الجبال ثانية تذكرني بوجودها في كل مكان وأهمية وجودها في سبب ثبات واستقرار الأرض و استمراريتها...
كالشدائد فهي التي تجدد أرواحنا لنواصل طرقنا على النجاح وتجدد نشاطنا لنمسك أهدافنا......
قد علمتني الطبيعة دروس كثيرة وأثبتت لي أن الصبر هو مفتاح الفرج
فلا بد من الكد في العمل والكفاح والتمسك بالمبادئ والإصرار عل تحقيق الأهداف....