bouztel المدير العام
عدد الرسائل : 1699 العمر : 67 ادارة المنتدى المزاج : متزاعل انا والزعل وبكره النكد ومشتقاته نقاط تمييز : عارضة الطاقة : تاريخ التسجيل : 13/11/2008
| موضوع: حقيقة ((أورشليم)) 7/26/2010, 12:08 pm | |
|
مقدمة: تحتلّ القدس مكانة مركزية ومحورية في الإيديولوجيا الصهيونية, حيث يجري ربط التاريخ اليهودي المختلق بمدينة القدس, التي يعود عمرها إلى عشرات القرون, ولكن من خلال الإلغاء المتعمد لحقب زمنية تمتد آلاف السنين قبل أن تقام فيها ((مملكة داود)) المزعومة في عام 1010قبل الميلاد, تبعاً للتاريخ الصهيوني لما يُسمى ((إسرائيل القديمة)), والذي كشفت زيفه المفضوح دراسات أكاديمية غربية رصينة, يأتي في مقدمتها مؤلَّف كيث وايتلام ((اختلاق إسرائيل القديمة))(1). حيث يؤكد بالأدلة التاريخية القاطعة والبراهين العلمية الدامغة أن التاريخ اليهودي القديم (بما في ذلك تاريخهم للقدس) هو مجرد جزء من التاريخ الكنعاني-أو الفلسطيني القديم- وينتهي إلى تشكيك موضوعي ومنطقي بأزعومة ((مملكة إسرائيل القديمة)), التي يرى فيها محض اختلاق قام به باحثون مغرضون تحركهم دوافع سياسية وعقيدية تتعلق بانتماءاتهم الإيديولوجية (الصهيونية), وليس البحث العلمي-التاريخي المجرّد عن الأهواء والمصالح والغايات. من وجهة نظرنا, فإن معالجة قضية القدس سواء في أبعادها الإسلامية والمسيحية, أو بوصفها عاصمة فلسطين المحتلة, أو من خلال التركيز على الممارسات الصهيونية التهويدية الضخمة والخطيرة التي تتعرض لها منذ عام 1948, ولاسيّما بعد استكمال احتلالها في عام 1967, لن تكون مكتملة ومنهجية ما لم تؤصَّل من خلال دراسة العناصر والمكوّنات, التي تشكل مرتكزات الفكر الصهيوني (بشقيه اليهودي وغير اليهودي), وفي طليعتها موضوع القدس ومكانتها المركزية في الإيديولوجيا الصهيونية. وبناء عليه, فإننا نرى أنَّ تناول موضوع أورشليم/القدس كتسمية تاريخية ومدلولاتها اللغوية والدينية, تشكّل المدخل الأساسي والمنطقي والعقلاني لكشف زيف المزاعم الصهيونية ونسف أضاليلها, استناداً إلى النص التوراتي ذاته.
أورشليم/ القدس في النصّ التوراتي المتداول
أزال ((المؤرخون اليهود)), في المؤلفات, التي قاموا ((بترتيبها)) وتصنيفها وإعادة إنتاجها مرات عديدة, تبعاً لمنطلقاتهم الدينية وأساطيرهم التوراتية, ورؤاهم العنصرية وأهدافهم الصهيونية التاريخَ الحضاريَّ للقدس قبل قيام ملكهم داود بتأسيس مملكته المزعومة وعاصمتها القدس في عام 1010قبل الميلاد. وتعمَّد المؤرخون, الذين يبنون أطروحاتهم على قصص التوراة وتفسيرات التلموديين تجاهُلَ التاريخ الحقيقي لإنشاء القدس على أيدي اليبوسيين (وهم إحدى بطون العرب الأوائل الذين نزحوا من جزيرة العرب مع من نـزح من القبائل الكنعانية حوالي سنة 2500قبل الميلاد), ولهذا كان اسمها القديم ((يبوس)) أو ((مدينة اليبوسيين)). وقد ورد اسم ((يبوس)) في الكتابات المصرية الهيروغليفية باسم ((يابتي)), وهو تحريف للاسم الكنعاني. وقد بنى اليبوسيون قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من ((يبوس)), سميت ((حصن يبوس)), الذي يُعَدْ أقدم بناء في مدينة القدس, أقيمت حوله الأسوار وبرج عال في أحد أطرافه للسيطرة على المنطقة المحيطة بيبوس للدفاع عنها (بزعامة ملكهم سالم اليبوسي), وحمايتها من غارات القبائل والأقوام الأخرى. وجرى التلاعب لاحقاً بتسمية ((حصن يبوس)) فتحولت إلى ((حصن صهيون)), ويعرف الجبل الذي أقيم عليه الحصن بالأكمة, أو هضبة أوفل, ولكّن المؤرخين والجغرافيين والعلماء الصهاينة لا يستخدمون غير التسمية الملائمة لإيديولوجيتهم, أي ((جبل صهيون)). ومن الجدير بالذكر أن السلوقيين بنوا في موضع ((حصن يبوس)) قلعة منيعة عرفت باسم ((قلعة عكرا)) أو ((أكرا)). وقد كشفت التنقيبات الأثرية, التي قامت بها الباحثة الإنكليزية كاثلين كينيون سنة 1961 في طبقات العصر البرونزي القديم من أكمة أوفل بالقدس عن بقايا السور الأول, الذي بناه اليبوسيون على ((جبل يبوس)) (المسمى حالياً جبل صهيون), وأبرزت قسماً من أسس الأبنية وتمديدات جر المياه إلى الحصن من عين جيحون. وكذلك كشفت الحفريات عن بعض القبور وأواني الخزف من العهد البرونزي القديم حتى العهد الحديث(2). لكنّ المؤرخين والباحثين الصهاينة يتجاهلون هذا التاريخ الحضاري الكبير ويقفزون إلى المرحلة, التي شهدت استيلاء بعض القبائل العبرانية على ((حصن يبوس)) في عهد داود, الذي لم يكن ((ملكاً)) كما يزعمون, وإنما زعيماً قبلياً استطاع احتلال بعض المناطق المحيطة بالقدس من أهلها الأصليين, واتخاذها مقراً له, حيث أطلق على الحصن المحيط بها اسم ((حصن صهيون)), وعلى المدينة اسم ((مدينة داود)). رغم أن أكثر سكانها كانوا (في عهده) من اليبوسيين والكنعانيين والعموريين والفلسطيين(3). والحقيقة أن تسمية ((يبوس)) وردت في التوراة مرات عديدة, منها: ((يبوس هي أورشليم)) و((أورشليم مدينة اليبوسيين))(4). وهناك خطأ شائع مفاده أن ((أورشليم)) هي تسمية عبرانية, في حين أن ((أورشليم)), أي ((الأرض المباركة)) أو((دار السلام)) هي تسمية عربية قديمة, قبل ظهور موسى نفسه, وقبل تكوّن اللغة العبرية بعدة قرون. فهي كلمة كنعانية (عربية) بحتة, علينا أن نعتز بها مثلما نعتز بتسمية القدس. وقد عرف العرب تسمية ((أورشليم)) في الجاهلية قبل الإسلام ووردت في أشعارهم, ففي أبيات للأعشى مخاطباً فيها ابنته يطلق على القدس تسمية ((أورشليم)), إذ يقول(5): وطوّفتُ للمال آفـاقَـهُ عُمان فحِمْـصَ فاوريـشلم أتيت النجاشـيَّ في داره وأرض النييـط وأرض العجم وقد حمل ملوكها القدماء لواء عقيدة التوحيد للإله العلي لأول مرة في التاريخ البشري, على ما يرى كثير من المؤرخين(6), وقد خصّها الله بالعديد من الأنبياء حتى قيل أن بناءها تم على أيديهم وأنهم سكنوها, حتى أنه لم يبق فيها موضع شبر إلا وقد صلّى فيه نبي أو قام فيه ملك(7). كما خصَّها الله بإسراء رسوله المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام, فقال في كتابه العزيز:سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّهُ السميع البصير(8). ويؤكد المؤرخ المعروف أحمد سوسة في كتابه ((العرب واليهود في التاريخ))(9), أنه انطلاقاً من عقيدة التوحيد نطق الملك الكنعاني (العربي) ((ملكي صادق)), ملك شاليم (أورشليم), ((الكاهن لله العلي)) حين بارك إبراهيم الخليل (ع) بقوله: ((مبارك الله العلي الذي أسلم أعداءك في يدك))(10), ومازالت المدينة إلى يومنا هذا تقدّسها الديانات السماوية الثلاثة بكل تجلّة وتعظيم. ويرجع تاريخ ملكي صادق هذا إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد, وهو زمن إبراهيم الخليل (ع), وهو من نسل كنعان, كان ملكاً على مدينة أورشليم وولايتها, التي كانت تعرف باليبوسية نسبة إلى يبوس ولد كنعان(11). وجاء في بعض التقاليد اليهودية أنّ ((ملكي صادق)) هو سام, وأنَّ تقدّمه بالعمر وشرف نسبه جعلاه جديراً بأن يبارك إبراهيم (ع), ويرى العلماء المحدثون أن ((ملكي صادي)) من سلالة كنعان, وكان محافظاً على سنة الله التوحيدية بين شعب وثني, وقد عرف بالتقوى والزهد, وقيل أن ملكي صادق كان يسكن هو وقومه في الكهوف, وكان أول من اختط أورشليم وبناها, وكان محبّاً للسلام حتى أطلق عليه اسم ((ملك السلام)), ومن هنا جاء اسم المدينة ((شالم)) و((شليم)) و((سالم)), أي ((مدينة السلام)). ويذكر الإنجيل أن السيد المسيح صار ((على رتبة (ملكي صادي) رئيس كهنة إلى الأبد)). ويقول بعد ذلك عن ملكي صادي ((أنه لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة, بل هو مشبه بابن الله, هذا يبقى كاهناً إلى الأبد))(12). فالتوراة والإنجيل معاً يضعان الكاهن الكنعاني بصفة ((الكاهن الأعلى)) وصفة الخلود, ويرفعانه إلى المنزلة التي يتلقى منه إبراهيم الخليل بركة الإله العلي, إله السموات والأرض. وقد ذكر المطران يوسف الدبس: ((أنَّ أبا الفرج ابن العبري قال إن ملكي صادق هو ابن عابر أو أحد أحفاد سام. وزعم بعضهم أنه من ذرية حام, وقال غيرهم أنه ابن صيدون بن كنعان, والأظهر والأشبه بالصواب أن ملكيصادق من ذرية سام, وأن عشيرته كانت إحدى العشائر القليلة التي استمرت على الإعتقاد بوحدانية الله))(13). ويقول المؤرِّخ أحمد سوسة إنه وصل إلينا من أسماء ملوك أورشليم عدا ((ملكي صادق)) الملك ((عبد خيبا)) وهو الذي ورد اسمه في وثائق العمارنة في ست رسائل وجّهها إلى فرعون مصر ((أمنحوتب الرابع)), أحد ملوك السلالة الثامنة عشرة, وهو المُسمّى أيضاً ((أخناتون)), وقد اشتهر هذا لملك العظيم الذي حكم بين سنة 1375 وسنة 1358 قبل الميلاد بدعوته لعقيدة التوحيد. ومن أهم ما ورد في هذه الرسائل طلب الملك ((عبد خيبا)) العون من ملك مصر لصد هجمات أهل البادية من قبائل ((العبيرو)) أو((الهبيرو)) أو((الخبيرو)), وهم العبريون أهل البادية الشمالية, الذين منهم جاءت كلمة ((عبري)), التي شاع استعمالها خطأ للدلالة على اليهود في العصور التالية. وفي جملة أقوال هذا الملك في طلب النجدة: ((إنّ هذه الأرض, أرض أوروسالم, لم يعطني إياها أبي ولا أمي, ولكن أيدي الملك القوية هي التي ثبّتتني في دار آبائي وأجدادي, ولم أكن أميراً بل جندياً للملك وراعياً تابعاً للمك.. منحت ملكية الأرض أورسالم إلى الملك إلى الأبد ولا يمكن أن يتركها للأعداء...))(14). وكان آخر ملوك أورشليم عند هجوم الموسويين بقيادة يشوع على المدينة في القرن الثالث عشر قبل الميلاد الملك ((أدوني صادق))(15). وقد ورد ذكر هذا الملك في التوراة في جملة الملوك العموريين الخمسة(16). أمّا المؤرخ الشهير فيليب حتّي, فإنه يؤكد أن دخول العبرانيين إلى كنعان-كما كانت تسمى سورية الجنوبية حينذاك-تم بثلاث هجرات كما يظن, ولكن هذه الهجرات غير محدّدة بالضبط. فقد بدأت موجة الهجرة الأولى في بلاد الرافدين, وكانت معاصرة تقريباً للحركة التي حصلت في القرن الثامن عشر وكان من شأنها انتشار الهكسوس والحوريّين في ساحل البحر المتوسط الشرقي. واتصلت الهجرة الثانية بالآراميّين في القرن الرابع عشر في عصر العمارنة. وأمّا الهجرة الثالثة التي نعرف عنها أكثر بكثير, فقد أتت من مصر والجنوب الشرقي بقيادة موسى ويشوع في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وكان الكنعانيون يشكلون معظم السكان عندما أتى الروّاد أسلاف الشعب العبراني من بلاد الرافدين. وكان الأموريون يسكنون المرتفعات التي لم يحتلها جماعة مستقرون بصورة كثيفة, وهذا ما أعطى للقادمين الجدد مجالاً للاستيطان. وتزاوج القادمون الجدد مع بعض الأقوام والقبائل, التي كانت تقطن في أماكم متفرقة وبعيدة, وكانت النتيجة هي الشعب العبراني الذي اتصف بأصول عرقية متنوعة, تضم عناصر سامية وحوريّة وحثيّة وغير ذلك من العناصر غير السامية. وقد جاء العبرانيون بشكل متجوّلين ومغامرين ومرتزقة لا ارتباط لهم, ثم استقروا بالتدريج بين السكّان الذين سبقوهم وفاقوهم في مدنيتهم وتعلموا منهم حرث الأرض وبناء المنازل وممارسة الفنون الأخرى, وأهمها القراءة و الكتابة. ويضاف إلى هذا كلّه أن العبرانيين تركوا لهجتهم القديمة, واتخذوا الكنعانية لغة لهم. فالمعروف أن الفينيقية والعبرانية القديمة كما هي مدوّنة في ((العهد القديم)) لا تختلفان إلا من ناحية اللهجة. وبهذا أصبح العبرانيون القدماء بوجه الإجمال ورثة المكونات والعناصر المادية الأساسية للمدن الكنعانية, وأتباع كثير من العبادات والعادات والصفات الدينية الكنعانية(17). وعلى السؤال: من هم الخابيرو؟!, يجيب العلامة فيليب حتّي, بأنه بينما كان الجيش الحثي في فترة العمارنة يقوم بأعماله الحربيّة في الشمال كان جماعة من المرتزقة الأجانب, الذين يسمون في الكتابات المسمارية الخابيرو khabiru يجتاحون البلاد (أرض كنعان-سورية) في الجهة الجنوبية. وقد رأى بعض العلماء أن هذه الكلمة الأكادية معادلة للكلمة العبرية ((عبري)) (وعبراني التي تترجم عادة ((بالذي يأتي من الجانب الآخر)) أو بمعنى ((العابر)) ).ويوصف الخابيرو في وثائق نوزي من القرن الخامس عشر قبل الميلاد, بأنهم عبيد, أصبحوا كذلك باختيارهم. ويظهر الخابيرو لأول مرة في الحوليات الحثية في عهد مرشلش الأول (حوالي 1600 قبل الميلاد) الذي استأجرهم كمرتزقة. وفي الرسالة رقم ((289)) من رسائل تل العمارنة يُشار إلى تعاون الخابيرو مع المتمردين ضد الفراعنة. وفي عام 1367 قبل الميلاد يستولون على شكيم. وقد وجَّهت ست من هذه الرسائل (من رقم 285-290) من ((عبد خِبا)) تابع فرعون في أوروسالم (أورشليم) إلى أخناتون يعبّر فيها عن ولائه, ويطلب المساعدة ضد الخابيرو, الذين يهدّدونه. وفي جميع هذه الوثائق يبدو الخابيرو كجماعة متعددة العناصر وبدون سمات وملامح مشتركة معبّأة في بلاد الرافدين. وقد أطلق هذا الإسم هناك لأول مرة على المحاربين في عهد نارام سن (نحو 2170قبل الميلاد) من ملوك السلالة الأكادية القديمة. ويذكر الاسم ثانية في رسالة من ماري من القرن الثامن عشر قبل الميلاد, وفي ألواح نوزي من القرن الخامس عشر قبل الميلاد. ويخلص فيليب حتّي إلى أن الخابيرو ليس إسماً عرقياً, وإنما تسمية أطلقت على جماعات من الرحّل الأجانب والأشقياء والمرتزقة المستعدين للإنضمام إلى صفوف أي جيش لقاء أجر أو بدافع الحصول على الغنائم(18). وبشأن التسميات العديدة للقدس, فقد أجمع المؤرخون على أنّ الكنعانيين, سكان البلاد الأصليون سمّوها ((يروشالم)) أو ((يرو-شلم)), و((شالم)). و((شليم)) إسم إله كنعاني معناه ((السلام)), كما يقول الباحث المعروف طه باقر(19). وقد وردت في ما بعد بهذه التسمية, أي ((أورشليم)) في التوراة 680مرّة(20), وهي مشتقة من التسمية الكنعانية الأصلية. وسميت في التوراة أيضاً ((شاليم))(21), و((ساليم))(22), و((مدينة الله))(23), و((مدينة داود))(24), و((مدينة الملك العظيم))(25), و((مدينة العدل)), و((مدينة العدل-القرية الأمينة)), و((المدينة)), و((مدينة القدس)) أو ((المدينة المقدسة)). وقد وردت باسم ((أوروسالم)) في الكتابات الكنعانية التي ترجع إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد, أي مدينة السلام(26). وظلّ اسم ((أورشليم)) شائعاً منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا. ومن ((ياروشليم)) جاء الإسم اللاتيني ((جيروزاليم)) (Jerusalem). أما ياقوت الحموي صاحب ((معجم البلدان)), فقد ذكر أن المدينة وردت باسم أورشليم بالضم ثم السكون, وكسر الراء, وياء ساكنة, وشين معجمة مفتوحة, ولام مكسورة. ويروى بالفتح وميم, وقد يسكِّنون اللام فيقولون أوريشلْم. وحكي عن رؤبة أن أوريسلم, بالسين المهملة, وباسم أوريشلُّوم وأورويشَلّم, وبتشديد اللام, وأوراسلم, بفتح الراء والسين(27). وكما أشرنا من قبل, فإن المدينة نسبت أساساً إلى الملك الكنعاني ((ملكي صادق)), الذي عرف بالتقوى والصلاح وحبّ الخير والسلام, ولقب بـ((ملك شاليم)), أي ((ملك السلام)), ووصفته التوراة بأنه ((كاهن لله العلي أخرج خبزاً وخمراً لإبراهيم وباركه))(28). ومن أسماء ((أورشليم)) القديمة التاريخية ((يبوس)) نسبة إلى اليبوسيين, أهل ((أورشليم)) الأصليين, واليبوسيون هم إحدى القبائل الكنعانية, التي نزحت من جزيرة العرب, وسكنت أورشليم وحولها (كما أشرنا من قبل). وقد أسماها الفراعنة في كتاباتهم الهيروغليفية ((يابيثي)) و((يابتي)), وهو تحريف لاسم يبوس الكنعاني. وقد ورد ذكر يبوس في التوراة ووصفت أنها هي أورشليم(29). ووردت أيضاً في التوراة باسم ((مدينة اليبوسيّين))(30), وسمّيت أيضاً بـ((اليبوسي))(31), ومن تسمية ((يبوسيّين)) صار الكنعانيون يطلقون اسم ((يبوس)) على كل أورشليم. وكان لليبوسيين قلعة حصنية على الرابية الجنوبية الشرقية من أورشليم يطلقون عليها اسم ((صهيون)), التي وردت في ((الكتاب المقدس)) حوالي مئتي مرة, وهي تشير في الأصل إلى كونها حصن اليبوسيّين(32), وقد سمّيت ((حصن صهيون)), وصار الحصن يعرف في عهد المسيح أيضاً باسم ((جبل صهيون))(33). ويوجد الآن في جوار مدينة أورشليم واد يُسمّى ((وادي صهيون)), كما يوجد موضع يقع في جنوب غربي المدينة خارج السور الحالي للمدينة يُسمّى ((جبل صهيون)), وهي تسمية حديثة لا تمثّل موضع جبل صهيون الأصلي الذي كان يقع في القسم الجنوبي الشرقي من المدينة(34). وقد سمّيت المدينة بعد استيلاء داود عليها ((مدينة داود)) وذلك بقصد تغيير اسمها الكنعاني الأصلي-أورشليم, وتقول التوراة: إن داود ملك في أورشليم ثلاثاً وثلاثين سنة على جميع إسرائيل ويهوذا, ولكن عبر التفاوض مع اليبوسيين (سكّان الأرض), أي أهل أورشليم, الذين وضعوا شروطاً محددة على داود بشأن من يُسمح له بالدخول إلى المدينة,ومن يحرم عليه ذلك(35), الأمر الذي يؤكد أن داود لم يتمكن من دخولها, ولم يحتلها, بل إن ما قام به اقتصر على أخذه حصن صهيون, وأنه ((أقام في الحصن وسماه مدينة داود))(36). ولهذا لا تذكر أخبار التوراة أن أورشليم هي التي صارت ((مدينة داود)), وإنما ((حصن صهيون)) هو الذي أصبح اسمه ((مدينة داود)). ويتضح هذا الأمر بجلاء في سِفْر ((أخبار الأيام الأول)), الذي جاء فيه بالحرف ما يلي: ((وذهب داود وكل إسرائيل إلى أورشليم أي يبوس. وهناك اليبوسيون سكان الأرض. وقال سكان يبوس لداود لا تدخل إلى هنا. فأخذ داود حصن صهيون. هي مدينة داود .. وأقام داود في الحصن لذلك دعوه مدينة داود))(37), وبقي الاسم الكنعاني الأصلي مستعملاً وسائداً إلى اليوم. ويقول المؤرخ أحمد سوسة أنه في زمن الرومان حوّل الامبراطور هادريان مدينة أورشليم, بعد أن استولى عليها ودمّرها سنة 135ميلادية, إلى مستعمرة رومانية, وبدَّل اسمها إلى((إيليا كبيتولينا)) (Aelia capitolina) وإيليا هو الاسم الأول لهادريان. ثم أعاد لها قسطنطين اسمها القديم ((أورشليم)) بعد اعتناقه المسيحية, وكرّست أمه الامبراطورة هيلانة جهدها لكشف مواضع الحوادث المهمة للمسيحين ولبناء كنائس تذكاراً لها. ويبدو أن تسمية ((إيليا)) بقيت متداولة بين الناس بدليل ورود هذه التسمية (إيليا) في نص عهد الأمان, الذي أعطاه الخليفة عمر لسكان القدس سنة 15للهجرة (636م), حيث خوطب سكّانها باسم ((أهل إيلياء))(38). وقال ياقوت الحموي, صاحب ((معجم البلدان))(39), بأن إِيليَاء بكسر أوله واللام, وباء, وألف ممدودة: اسم مدينة بيت المقْدس, وقيل: معناه بيت الله, وحُكي أنّ فيه القصر. وقد سمّي البيت المقدّس إيليا بقول الفرزدق: وبيتان بيتُ الله نحنُ ولاتُهُ وقصرٌ بأعلى إيلياء مُشرَّفُ وقد أجمع معظم المؤرخين العرب لتلك الواقعة الشهيرة (كالطبري, والسعودي, وابن خلدون, والبلاذري) على أن بيت المقدس, هو ((إيلياء)), التي فتحت على يد الخليفة الراشدي الثاني, عمر بن الخطاب في السنة الخامسة عشرة للهجرة, وذلك عند دخوله ((الجابية)) (في حوران بأرض الشام). وفي هذا الشأن يذكر الطبري(40) نقلاً عن سالم بن عبد الله: أنه لما قدم عمرُ الجابيةَ.. نظر إلى كُردوس من خيل مقبل, فلما دنوا منه سلّوا السيوف, فقال عمر: هؤلاء قوم يستأمنون, فأمّنوهم؛ فأقبلوا فإذا هم أهل إيلياء, فصالحوه على الجزية, وفتحوها له.. واكتتبوا منه على إيلياء وحيّزها؛ فصارت فلسطين نصفين: نصفٌ مع أهل إيلياء, ونصف مع أهل الرملة(41). وينقل الطبري عن رواة آخرين أن عمر بن الخطاب صالحَ أهل إيلياء (التي كانت آنئذ مدينة عربية مسيحية خالصة تقريباً), وأعطاهم وثيقة مكتوبة, تنص على: أنه يتعهد بضمان الأمان, لأنفسهم وأموالهم, ولكنائسهم وصلبانهم, ولسقيمي المدينة وأصحائها وسائر ملّتها, وأنه لا تسكن كنائسهم ولا تُهدَم, ولا يُنتقص منها ولا من حيّزها, ولا من صليبهم, ولا من شيء من أموالهم, ولا يُكرهون على دينهم, ولا يُضارّ أحدٌ منهم..(42). واللافت أن الوثيقة تضمنت تعهداً من جانب الخليفة عمر بن الخطاب ((بألا يسكن بإيلياء معهم (أي مع أهلها العرب المسيحيين) أحدٌ من اليهود)), والراجح أن السبب في ذلك يعود إما إلى التحرشات والتعديات التي كان يقوم بها اليهود ضد السكان الأصليين للمدينة (من العرب المسيحين), أو للمزاعم التوراتية والأسطورية, التي كانت الجماعة اليهودية ترّوجها هناك, فتخلق الفتن وتثير البلبلة والمشكلات وغير ذلك, ما يعكر صفو الهدوء والسكينة والعيش الطبيعي في المدينة المقدّسة. وكان شرط عمر على أهل إيلياء مقابل ذلك كله ((أن يعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن, وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوت)) (43), أي اللصوص والسارقين وقاطعي الطريق. وشهد على الوثيقة خالد بن الوليد, وعمر بن العاص, وعبد الرحمن بن عوف, ومعاوية بن أبي سفيان. وقد استعمل عمرُ على فلسطين رجلين, فجعل علقمة بن حكيم على نصفها وأنزله الرَّملة, وعلقمة بن مُجَّزز على نصفها الآخر وأنزله إيلياء(44). وقد سمّيت المدينة في المراحل التالية بـ((بيت المقدس)) و((القدس الشريف))...إلخ, وقد سمّاها الشيخ اسحاق بن حسين المنجم, وهو من علماء القرن الخامس الهجري بالإسمين ((بيت المقدس إيلياء))(45). مما يتقدم يتضح أن تسمية ((أورشليم)) التي يروّج الصهاينة اليوم على أنها من الأسماء العبرية (بمعنى اليهودية) هي في الأصل كلمة كنعانية عربية أصلية, وردت بهذا الإسم في النصوص الكنعانية, التي وجدت في مصر قبل ظهور بني إسرائيل بعدة قرون, وحتى بعد أن ظهور اليهود وتكوّنت اللهجة العبرية المأخوذة أساساً عن الآرامية في وقت لاحق, صار اليهود يسمّونها بلغتهم العبرية ((يروشلايم)). ويجزم المؤرخ الدكتور أحمد سوسة بأنّ الدعوى القائلة ((أن إسم "أورشليم" عبري الأصل (بمعنى يهودي) دعوى باطلة, لا تستند إلى مصدر تاريخي بدليل ورود الكلمة في الكتابات الكنعانية (رسائل العمارنة من الملك "عبد خيبا" إلى فرعون مصر, التي ترجع إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد), وذلك قبل أن تتكون اللهجة العبرية والمدوّنات العبرية بنحو ثمانمائة عام))(46). وتعترف التوراة بصورة صريحة وواضحة, بأنه ليس للعبرانيين أية صلة بتاريخ أورشليم القديم, لا من حيث التسمية, ولا من حيث الانتماء القومي, فقد أوردت ((التوراة)) مقتطفات من مخاطبة ((حزقيال)) لـ((أورشليم)), وفيها يقول بالحرف الواحد: ((وقل هكذا: قال السيد الرب لأورشليم. مخرجك ومولدك من أرض كنعان. أبوك أموري وأمَك حثية))(47). بل أن النص التوراتي يحاول إلصاق صفة الرجس والنجاسة وعدم الطهر والنظافة بـ((أورشليم)), وأهلها (العرب الكنعانيين), لأنها لم تستسلم للغزاة والأفاقين-العبرانيين, الذين فشلوا في احتلالها, وإرغامها على إطاعتهم, أو تقبل نمط سلوكهم غير الحضاري وغير الإنساني؛ مع التأكيد مجدّداً أن ((التوراة)) حرصت باستمرار على التأكيد أن ((ملوك أورشليم)) كانوا من العموريين (الأموريين), ومنهم طبعاً (( أدوني صادق)) آخر ((ملوك أورشليم)) العموريين, كما جاء في سفر ((يشوع))(48). أما عن بُناتها الأوائل وسكانها الأصليين وأهلها, فإن المصادر التاريخية المختلفة تجمع بأن اليبوسيين الكنعانيين هم أول من أسس أورشليم وبناها. ويرجع المؤرخون والآثارين والخبراء تاريخ وجودهم في المدينة إلى ما قبل خمسة آلاف عام, حين نزحت القبائل العربية الكنعانية من جزيرة العرب إلى فلسطين, حيث استقرت بداية في المنطقة المحيطة بأورشليم, التي أصبحت مركزهم الرئيس وعاصمة ملكهم, وأسسوا في موطنهم الجديد حضارة ذات سلطة مركزية وصناعة وتجارة وديانة.وقد ورد ذكر أحد ملوكهم في الكتابات المصرية القبطية العائدة للقرن الخامس عشر قبل الميلاد باسم ((عبد خيبا)), كما ورد ذكر الملك ((ملكي صادق)), الذي عاش في زمن إبراهيم الخليل(49), أي في القرن التاسع عشر قبل الميلاد. ويؤكد الباحث حسن مصطفى الباش أن اسم أورشليم, الذي ورد في الكتابات الكنعانية باسم ((أور سالم)), قد ذكر في ((رسائل العمارنة)), التي سبقت ظهور مدّونات التوراة بأكثر من ألف عام. كما ورد اسم ((يابيثي)) في الكتابات المصرية الهيروغليفية, وهو تحريف لاسم ((يبوس)), الاسم الذي كانت تعرف به أورشليم نسبة إلى سكانها اليبوسيين قبل عهد موسى بعدة قرون, فتسمية أورشاليم التي يحاول الصهاينة عدها من الأسماء العبرية (بمعنى اليهودية) هي في الحقيقة كلمة كنعانية آرامية أصيلة, وردت بهذا الاسم في النصوص الكنعانية, التي وجدت في مصر قبل ظهور النبي موسى, ثم بعد أن ظهر اليهود وتكوّنت لديهم اللهجة العبرية المقتبسة من الآرامية صار اليهود يسمونها بالعبرية (يروشلايم) لذلك يرى بعض الباحثين أن دعوى أن اسم أورشليم عبري الأصل (بمعنى يهودي) دعوى باطلة لا تستند إلى مصدر تاريخي, بدليل ورود الكلمة في الكتابات الكنعانية, قبل أن تتكون اللهجة العبرية والمدونات العبرية بأكثر من ألف عام كما تقدم. وقد جاء علماء الآثار ليثبتوا أن يبوس-القدس قد بنيت قبل عام 1800 قبل الميلاد(50). وهناك دراسات عديدة تشير إلى أن الأمم القديمة حرَّفت اسم مدينة السلام في نقوشها التاريخية. فذكرها الأكاديون باسم ((أور سالم)), في حين ورد اسمها في نقش مصري قديم يرجع إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد باسم ((أورشاميم)). وذكرها اليونان والرومان ((هيروساليم)) والغربيون بـ((جيروزاليم))(51). وقد تحدّثت بعض المكتشفات الأثرية في مصر عن أرض كنعان وعن علاقات متعددة بين المصريين القدماء وسكان فلسطين, وأقدم ما وصلنا من أخبار الفراعنة عن هذه العلاقات تلك الكتابة, التي عثر عليها منذ عهد الفرعون (سنيفرو) أول ملوك السلالة الرابعة حوالي 2700 قبل الميلاد, والتي تشير على شحن أربعين سفينة من خشب الأرز اللبناني إلى مصر. وأقدم ذكر لحملات المصريين على بلاد كنعان ورد في كتابة عثر عليها من عهد الفرعون ((بيبي)) الأول ثالث ملوك السلالة السادسة حوالي 2350 قبل الميلاد, وهي منقوشة على قبر قائد إحدى هذه الحملات, وهو يُدعى ((أوني)), فدوَّن هذا القائد انتصاراته على جماعات البدو التي كانت تهاجم الكنعانيين. ويرى بعض الباحثين أن الكنعانيين والأموريين يشكلون محوراً رئيساً في المنطقة, وأن تاريخ استقرار كنعان هو عام 2500 قبل الميلاد على الساحل, بينما استقر الأموريون في الداخل, وبدأ وجودهم يعرقل سير القوافل المصرية مما أشعل الحرب ين مصر وفلسطين مدة طويلة, وحسمت في عهد سرجون الأكادي بتحرير الفلسطينيين. ومع ضعف الدولة الأكادية عادت مصر لتسيطر عليها واشتعلت الثورات فيها على عهد ((نارام سن)). وترى بعض الدراسات التاريخية أن القدس خضعت للنفوذ المصري في عهد ((تحوتمس)), الذي ترك فيها حامية من الخيّالة والعجلات الحربية أقامت في المنطقة الواقعة شرقي المسجد الأقصى. ويشير الباحثون إلى أن اسمها كان يرد في القائمة المصرية على أنها ((قادش)) أي قدس. وعندما كان ملوك الكنعانيين يكتبون إلى ملوك مصر بعد عصر ((تحوتمس)) يسمونها ((أور شاليم)). وفي خطابات ملك القدس إلى الملك ((أخناتون)) ورد اسم بلاده على أنها ((مات أور سالم)), أي أرض السلام. وقد اصطحب ((تحوتمس الثالث)) معه عند ذهابه إلى القدس التابوت الذي وضع فيه تمثالاً لـ((آمون)), ذلك أن التقاليد المصرية كانت تقتضي بأن يقوم الملك ببعض الطقوس الدينية كل صباح. ومن الطبيعي أن يترك الملك التابوت فوق الأرض التي كان يعدّها أهل البلاد مقدسة, فهذا ما فعله في عدد من المدن السورية(52). أما الباحث أحمد داوود, فإنه بناء على المقارنات والتحليلات اللغوية والأبحاث الجيولوجية والتاريخية المعاصرة, يؤكد أن كلمة ((صهيون)) في القاموس الكلداني تعني حرفياً ما يلي: اليابس, الناشف, العطشان, الفرات وقت نقصانه, وهي من الفعل صهي-صهيو= عطشان, ناشف, يابس, جاف, خال من الماء. ولقد حافظت لغتنا العربية على هذا المعنى حتى اليوم في ((الصهو)) و((الصهوة)), إذ نجد في القاموس, أن الصهو والصهوة= البرج الذي يتخذ في أعلى الرابية, جمع صهى, وكالغار في الجبل فيه ماء جمع صهاء. وهكذا تتضح حقيقة ((صهيون)) التوراتية جغرافياً ولغوياً, فهي المغارة أو الحصن في الجبل بعد أن نشفت فيها منابع نهر الفرات, والتي لجأ إليها داود مع رجاله ودعاها مدينة داود, ثم نصب في وسطها خيمة. أما كلمة ((يبوس)) فهي مرادفة لـ((صهيون)) وتعني ساكن المغارة التي يبست وجفّ ماؤها, وهو أحد أولاد كنعان العشيرة العربية المقيمة في جبال غامد, والتي كانت تقدس ((رنيا)) أي الشمس ربة الخصوبة إلى جانب البعل وعشتار, فأطلقت اسمها على الجبل المطل على الشرق وعلى النهر الذي ينبع منه ويرفد الفرات, وكانت جميع معابرهم تتجه إلى الشرق إلى الشمس, قبل أن تدخلها عشيرة داود, ومن أهم هذه المعابد ((حوراشليم)) وتعني مغارة المتعبدين(54). ولكن مسألة جغرافية صهيون وأورشليم وغيرهما من المدن والمواقع المتداولة في النصوص التوراتية, تحتاج إلى بحوث ودراسات ومقاربات أخرى, تخرج عن خطة بحثنا هذا وإطارها التحليلي المحدَّد. والخلاصة: أن الروايات المشار إليها, وهي مستندة إلى النص التوراتي ذاته, تؤكد بصورة قاطعة أن مدينة أورشليم كانت منذ تأسيسها, أي قبل خمسة آلاف عام مدينة عربية كنعانية, وقد بقيت بيد سكانها اليبوسيين أكثر من ألفي عام قبل عهد موسى, وحتى بعد داود بقي سكانها العرب اليبوسيون بأرضهم وفي بيتهم, وعاش اليهود في فترة وجودهم أقلية بينهم, إلى أن تم سبيهم إلى بابل في عهد الكلدانيين, فعادت أورشليم لتكون مدينة عربية صافية, خالية من الأغراب, كما أن اليهود الذين رجعوا إلى أورشليم في عهد الأخمينيين كانوا أقلية ضئيلة, في المدينة كما تقدم, إلى أن أخرجوا منها نهائياً في عهد الرومان, فرجعت المدينة كما كانت قبل مجيء هذه الجماعة الغريبة إليها. ويتبيّن مما تقدّم أن تسمية ((أورشليم)), التي يحاول الصهاينة إيهام العالم بأنها من الأسماء العبرانية, هي في الحقيقة كلمة كنعانية عربية أصيلة وردت بهذا الإسم في النصوص التي وجدت في المنطقة (خصوصاً في مصر والساحل السوري) قبل ظهور العبرانيين بعدة قرون, ثم بعد أن ظهر اليهود وتكوّنت اللهجة العبرية المقتبسة عن الآرامية في وقت لاحق, صار اليهود يسمّونها بلغتهم ((يروشلايم)). ولذلك فإن الزعم بأن اسم ((أورشليم)) عبري الأصل, هي دعوى باطلة لا تستند إلى أي مصدر تاريخي, حيث تعترف التوراة بأن ليس لليهود والعبرانيين وبني إسرائيل أية صلة بأورشليم وتاريخها القديم, لا من حيث التسمية ولا من حيث النشأة القومية, والتركيبة الاثنية والاجتماعية والدينية والروحية ■■
* * *
الهوامش
(1) انظر: كيث وايتلام, اختلاق إسرائيل القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني, ترجمة الدكتورة سحر الهنيدي, مراجعة الدكتور فؤاد زكريا, سلسلة ((عالم المعرفة)), 249 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب), سبتمبر/ أيلول 1999. (2) موسوعة السياسة, تحرير مجموعة من الباحثين, مدير التحرير ماجد نعمة, (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, الطبعة الثانية, 1990), ص763-765. (3) المصدر نفسه, ص764. (4) قضاة, الأصحاح التاسع عشر: 10-12. (5) نقلاً عن: الدكتور أحمد سوسة, العرب واليهود في التاريخ (دمشق: العربي للإعلان والنشر والطباعة والتوزيع, الطبعة السادسة, دون تاريخ للنشر), ص681. (6) المصدر نفسه. (7) ياقوت الحموي, معجم البلدان, الجزء الأول (بيروت: دار إحياء التراث العربي, 1979), ص112. (8) سورة الإسراء, الآية: 1. (9) الدكتور أحمد سوسة, العرب واليهود في التاريخ, ص682. (10) تكوين, الأصحاح الرابع عشر: 20. (11) تكوين, الأصحاح العاشر: 16؛ وانظر كذلك: قضاة, الأصحاح التاسع عشر: 10-12. (12) عبرانيين, الاصحاح الخامس: 3.7.6. (13) المطران يوسف الدبس, تاريخ سورية (د.ت ومكان للنشر), الجزء الأول, المجلد 2, ص25. (14) الدكتور أحمد سوسة, العرب واليهود في التاريخ, ص683. (15) يشوع, الأصحاح العاشر: 1. (16) يشوع, الأصحاح العاشر 3. (17) الدكتور فيليب حتّي, تاريخ سورية ولبنان وفلسطين, ترجمة الدكتور جورج حداد وعبد الكريم رافق, أشرف على مراجعته وتحريره الدكتور جبرائيل جبّور, الجزء الأول (بيروت: دار الثقافة, الطبعة الثالثة, 1982), ص190-191. (18) المصدر نفسه, ص172-173. (19) طه باقر, مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة, ج52, ص243 (نقلاً عن د.أحمد سوسة, العرب واليهود في التاريخ, هامش رقم (12), ص683). (20) انظر مثلاً: يشوع, الأصحاح العاشر: 1, والأصحاح الخامس عشر: 63؛ قضاة, الأصحاح 1: 21.8. وراجع أيضاً مواد: أورشليم, ساليم, شاليم وملكي صاق في (( قاموس الكتاب المقدس)). (21) مزامير, الأصحاح السادس والسبعون: 2, يونان, الأصحاح الثالث: 23؛ عبرانيّين, الأصحاح السابع: 2. (22) تكوين, الأصحاح الرابع عشر: 18. (23) مزامير, الأصحاح السادس والأربعون: 4. (24) صموئيل الثاني, الأصحاح الخامس: 9.7؛ الملوك الأول, الأصحاح الثاني والعشرون: 50. (25) مزامير, الأصحاح الثامن والأربعون: 2. (26) أشعيا, الأصحاح الأول: 26. (27) ياقوت الحموي, معجم البلدان, الجزء الأول, ص279. (28) تكوين, الأصحاح الرابع عشر: 18-20. (29) قضاة, الأصحاح التاسع عشر: 10, أخبار الأيام الأول, الأصحاح الحادي عشر: 6. (30) يشوع, الأصحاح الثامن عشر: 16؛ وانظر أيضاً: قضاة, الأصحاح التاسع عشر: 11؛ وكذلك: أخبار الأيام الأول, الأصحاح الحادي عشر: 6. (31) يشوع, الأصحاح الخامس عشر: 8, والأصحاح الثامن عشر: 28. (32) انظر: صموئيل الثاني, الأصحاح الخامس: 7؛ وراجع أيضاً: مزامير, الأصحاح السادس والسبعون, 2. (33) عبرانيّين, الأصحاح الثاني عشر: 22. (34) الدكتور أحمد سوسة, العرب واليهود في التاريخ, ص685. (35) صموئيل الثاني, الأصحاح الخامس: 5-9. (36) صموئيل الثاني, الأصحاح الخامس: 9. (37) أخبار الأيام الأول, الأصحاح: 4-7. (38) الدكتور أحمد سوسة, العرب واليهود في التاريخ, ص686. (39) ياقوت الحموي, معجم البلدان, الجزء الأول, ص293. (40) انظر: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري, تاريخ الطبري-تاريخ الأمم والملوك, تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم, الجزء الثالث (بيروت: دار سويدان, 1962), ص607-613. (41) المصدر نفسه, ص608. (42) انظر النص الحرفي للعهدة العمرية في المصدر نفسه, ص109. (43) المصدر نفسه. (44) المصدر نفسه. (45) الدكتور أحمد سوسة, العرب واليهود في التاريخ, ص686. (46) المصدر نفسه, ص686-687. (47) حزقيال, الأصحاح السادس عشر: 3. (48) يشوع, الأصحاح العاشر: 1. (49) تكوين, الأصحاح الرابع عشر: 8. (50) حسن مصطفى الباش, القدس بين رؤيتين (دمشق: دار قتيبة, 1997), ص30-31. (51) المصدر نفسه, ص34. (52) المصدر نفسه, ص35. (53) المصدر نفسه, ص35-36. (54) الدكتور أحمد داوود, العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود (دمشق: دار المستقبل, ط1, 1991), ص212-213. | |
|