. .ثمة عواصم في العالم يرد اسمها كلما ذكر رمضان؛ وفي مقدمتها دمشق التي تكاد تنفرد
بتقاليد مميزة عن مثيلاتها من الحواضر العربية والإسلامية في تعايش الناس مع شهر
رمضان المبارك فيها. ويمارس أهل دمشق عادات قديمة عريقة في رمضان توارثوها
عن أجدادهم تحكي روح التراث والأصالة والمحبة والتواصل الديني والأخلاقي والحياتي
فيما بينهم وهي عادات تكاد أن تندثر هذه الأيام إلا من بعضها.
وحول العادات والتقاليد الرمضانية في سوريا سادت لدى أفراد الشعب السوري عادات وتقاليد
منذ بدء دخول الإسلام فيه ومنذ الفتوحات التي نشرت الإسلام في أصقاع بلاد الشام وكان
لعادات وتقاليد الشعوب الأخرى التي انصهر أفرادها مع أفراد المجتمع السوري من أكراد وتركمان
وشراكس وفرس وصقالبة وأتراك ومغاربة أثر في إفراز وتداول عادات اجتماعية وتقاليد غذائية
وأخرى في اللباس والمسكن والعادات الأخرى، مما أثرى التراث الثقافي والاجتماعي السوري لاحقا.
السوريون يهتمون بشهري رجب وشعبان فيحتفلون بإحياء ليلة الإسراء وليلة الخامس عشر من
شعبان وذلك بالصيام في هذين اليومين وقيام ليلتهما، ويقوم بعض الأفراد بصيام يومي الاثنين
والخميس طاعة لله.
ويتم كعادة دمشقية متبعة تناول وجبات الحلويات الدمشقية المشهورة كالبرازق والعجوة والغريبة
أثناء إحياء ليلة النصف من شعبان عند العائلات الدمشقية.
يتلهف السوريون على قدوم شهر رمضان حيث يستيقظون صباح كل يوم على مدفع السحور
ونغمات المسحراتي الذي يدعى شعبيا «أبو طبلة» الذي يتجول في الأحياء الشعبية داعيا بنغماته
وطرقات طبلته الصائمين إلى عبادة الله وقيام الليل وإعداد وجبة السحور.
وإن السوريين يجتمعون حول موائد السحور الشهية الغنية بالمأكولات الشائعة المحضرة من الخضار
واللحم والسمن وبقية الأطعمة كالزيتون والبيض والجبن والشاي والمربيات والزعتر وغيرها.
وبعد أداء فرائض الصلاة يغادر المصلون لأخذ قسط من النوم ثم يذهبون لأداء أعمالهم المعتادة،
فتكتظ الأسواق بالمستهلكين وتعمر المساجد بالمصلين في أوقات الصلاة، ويقرأون القرآن ويدعون
الله عز وجل لهم بالقبول والطاعة. ومن أهم ملامح العادات الرمضانية الإعلام بقدوم الشهر بمدفع
الإثبات الذي تطلق قذائفه عصر اليوم السابق لشهر الصيام، وفي الأسواق ينتشر باعة الحلويات
الشهيرة كالكنافة والنهش (وهي حلوى من سكر وعجين وقشطة وفستق حلبي)، والمعجنات
كالمعروك (نوع من خبز رمضان مزين بالسمسم)، والناعم
(طبق شعبي من العجين مقلي بالزيت ومزين بالدبس)، ومحلات بيع الحمص والفول والسوس
والمخللات، حيث يتنافسون في عرض بضائعهم على المشترين والمستهلكين.
ويسود لدى الدمشقيين مثل سائد يقول «الثلث الأول من رمضان للمرق» كناية عن الاهتمام بإعداد
وجبات الطعام «والثلث الأوسط للخرق» أي شراء ثياب وكسوة العيد «والثلث الأخير لصر الورق»
كناية عن الانهماك بإعداد حلوى العيد كالمعمول وغيره. وفي الأسواق ينتشر بائعو الخضار والفواكه
والمجففات وغيرها عارضين بضائعهم. ويزداد الازدحام خاصة في الثلث الأخير من رمضان في
أسواق دمشق التقليدية كالحميدية والبزورية وخان الجمرك والعصرونية والحمراء والصالحية
وأبو رمانة والقصاع.
إن أواصر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع السوري في شهر رمضان المبارك تشتد، حيث يتبادل
المصلون تحيات الود والمحبة، وتقوى هذه الأواصر من خلال تبرع الموسرين على المحتاجين
بالهبات والزكاة والصدقات والكفارات التي يقوم بها أفراد مختصون يجمعون المال والسلع الأخرى
لتوزع على الفقراء. ولا يمنع هذا الموسرين أو متوسطي الحال من دعوة أقاربهم
وأصدقائهم إلى موائد الافطار.
إن أهم الوجبات هي الكبة والمحاشي وغيرها من الوجبات المحببة لدى أهل الشام مع السلطات
الغنية بالخضار ووجبات الحلويات المشهورة دمشقيا كالعوامة والقطايف.
وحول العادات الرمضانية في المحافظات السورية الأخرى؛ نجد بعض المظاهر المختلفة..
ففي الساحل تسود وجبتا السمك مع الرز والخضار واللحوم، وإن جو شاطئ البحر المعتدل
هناك يسمح للصائمين بعد الإفطار بالتمشي والسمر على الساحل الجميل، وتزدحم المساجد
بالمصلين وينتشر استهلاك حلويات خاصة بالساحل مثل الجزرية، وهي نوع من الحلوى محببة
محشوة بالقلوبات والمكسرات وغيرها.
أما في المناطق الوسطى، حمص وحماة وأدلب، فلا خلاف على هذه المظاهر عنها في بقية
المحافظات وتسود لدى العائلات أطباق غذائية متباينة أهمها في حِمص الشعيبيات وهي حلوى
محببة تصنع من العجين والجوز والقشطة وحلويات أخرى.
وفي حلب تكتظ الأسواق الشعبية (خان الجمرك وغيرها) بالزبائن خلال النهار، وفي الليل يتسامر
الحلبيون بعد أداء صلاة التراويح في شوارع حلب ومقاهيها قرب القلعة على طريق المسلمية، حيث
تنتشر المنتزهات الطبيعية وتعتبر الوجبات الحلبية المتداولة غنية بالأطعمة اللذيذة من أنواع الكبة
الصاجية والمقلية اللبنية المشوية وحميص الفحم المشوي بنوعيه الشقف والسادة وأنواع كل المحاشي
وورق العنب. أما في المحافظات الشمالية الشرقية فتسود وجبات المنسف (الرز مع اللحم والسمن العربي)
مع اللبن الرائب على موائد السكان الذين يتداولون طعامهم في المضافات العربية المتسعة للمفطرين
والتي تتوزع فيها الوسائد مرفقة بالسلطات والعصير.
ويستهلك الصائمون الكثير من التمر والعجوة والحلويات الشعبية وغيرها، وتعمر المساجد بالمصلين.
وإن العادات والتقاليد الرمضانية في سوريا تتميز بأنواع المأكولات التي يتفنن فيها البعض، مثل الفتوش
والتبولة والكبة والفطائر وحلويات الكنافة النابلسية والمذلوقة وشقائق النعمان، إلى جانب شراب
العرق سوس الذي لا يخلو من مائدة إفطار سورية.
الجامع الأموي في سوريا
ويستقبل السوريون شهر رمضان بتقاليد متوارثة، تبدأ بتقاليد إثبات مولد هلال الشهر الكريم، وتلتزم
هذه المسألة أسسا علمية، ففي ليلة الثلاثين من شهر شعبان يجلس القضاة والوجهاء في المسجد الأموي
في دمشق خلال الساعات التي يتوقعون فيها ظهور هلال الشهر الكريم لإعلان بدء صيام رمضان الفضيل.
وعقب تناول الفطور في رمضان، يتجمع أطفال الحي، وبيد كل واحد منهم صحن فارغ، ويدورون
على بيوت الأغنياء منهم ليأخذوا السحور.