توجد في كل المجتمعات تقسيمات
اجتماعية تفصل بين طبقات المجتمع, تفصل مثلا المتعلّمين عن غير
المتعلّمين, العاملين عن العاطلين عن العمل, المثقّفين عن غير المثقّفين..
و بالطبع الأغنياء عن الفقراء.. هذا أمر لا بد منه في أي مجتمع و هو رغم
كل شيء يبقى مفيدا برأيي رغم الظلم الذي قد يتعرّض له الكثير من جرّاء
تقسيمات كهذه, فمن المريح للإنسان أن يتعامل في مجتمعه مع الناس القريبين
منه اجتماعيا و ثقافيا و ماديا, و التعامل مع طبقات أخرى ذات درجات مختلفة
على كافة الأصعدة هو أمر متعب و يحمل الكثير من المشاكل.
لكن تثير
دهشتي بعض التصنيفات الغريبة في مجتمعنا, و التي ألفناها إلى حد كبير لم
نعد نناقش فيه جدوى أو سبب هذه التصنيفات, ما أود التحدّث عنه اليوم هو
تصنيف يضع الإنسان في المجتمع بين خانتين لا ثالث لهما, أنت وفق هذا
التصنيف: طبيب.. أو لست طبيبا.
العريس (الدكتور) هو عريس لقطة لا
ينبغي تفويته, طالب المدرسة الذي هو ابن لطبيب هو ولد مهذّب و مجتهد
بالضرورة, زوجة الطبيب هي سيدة المجتمع, الطالب في كلية الطب هو الدونجوان
الأوحد.. هذه كلّها ظواهر نراها يوميا و لا نفكّر إلا قليلا بالوقوف و
التفكير حيالها, ظواهر مغلوطة مغلوطة, و العمل على أساسها أدى إلى الكثير
من السلبيات في المجتمع و خاصة على صعيد علاقات الزواج, من المضحك بالفعل
كيف يقوم أهل البنت بإقناعها بضرورة قبول العريس الفلاني لأنه (دكتور قد
الدنيا)
و من الواضح تماما أن مهنة الطب مؤخرا لم تعد منجما من الماس
لمعظم الأطباء, هناك الكثير من الأطباء أوضاعهم المادية متوسّطة و هناك
البعض ممّن يعاني من الفقر, لماذا يصرّ الناس على الاحتفاظ بثنائية
(طب-مال) ؟
مهنة الطب مهنة راقية, لكن هل يعني ذلك أن النجّار أو
المحامي أو المحاسب أو المدرّس يفتقدون للإنسانية أو للرقي؟ و لم انحصرت
ظاهرة تقديس الطب و الأطباء في المجتمع فقط عندنا؟ في بعض الدول الأوروبية
تكون الأولوية العلمية للمهدسين كما في ألمانيا مثلا, كما أن مهنة الطب مع
كل رقيها و إنسانيتها هي مهنة قابلة للتشويه بالغش و هناك الكثير من
الأطبّاء يمارسون ضروبا كثيرة للغش و السرقة مع مرضاهم دون أن يرف لهم
جفن, إذا حال الطب هي كحال باقي المهن, فلماذا نرى هذا التفريق؟ هل
المهندس أو المحامي أو الأستاذ أقل معرفة و ثقافة؟
سأعود بعد فترة للحديث عن أسباب نشوء هذه الظاهرة.
و لكم مني كل الود.