المتوفى في ذي القعدة 1398 هـ
رحمه الله تعالى
هو العالم الداعية والمجاهد في سبيل الله تعالى حسن بن مرزوق حنبكة الشهير بالميداني. وُلِدَ في حي الميدان بدمشق سنة 1326هـ تقريباً، لأسرة قَدِمَت من بادية حماة من أبوين صالحين اهتما به ودفعاه نحو طلب العلم. فبعثاه أولاً إلى الكتّاب ليدرس فيه دراسته الأولية ومن ثمّ أخذ ينتقل على الشيوخ. تتلمذ على كبار علماء دمشق كالشيخ عبد القادر شموط، كما درس على الشيخ بدر الدين الحَسَني الذي دعاه إلى درس خصّصه له قائلا: ( انتقِ كتاباً وتعال)، كما لزم الشيخ علي الدقر رحمهم الله تعالى جميعاً وكان الشيخ الدقر يحب فيه روح الإخلاص ويعتمد عليه.
تفقّه الشيخ حبنكة أولاً على مذهب الإمام أبو حنيفة ثم على مذهب الامام الشافعي ورسخت معرفته بسائر العلوم من تفسير وحديث وعلوم العربية وتوحيد التربية، وغيرها من العلوم العصرية.
كان الشيخ خطيباً من الطراز الأول يجري في خطبته على الأسلوب التربوي الذي يرهف المشاعر ويملك القلوب ويستدرّ الدموع فيستأثر بالسامعين لا سيّما أنه كان فصيح اللسلان سليم اللغة رفيع الأدب، جمع بين عمق التفكير وسهولة التعبير، وكان يتعرض للمشكلات المعاصرة الاجتماعية والسياسية والدينية فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح للجميع دون استثناء لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يحابي ولا يداجي في الحق أحداً.
وعندما انطلقت الثورة السورية على الاستعمار خرج مع الثوار محارباً دولة الاستعمار يحمل السلاح متنقلاً من مسجد إلى مسجد. ثم لما ضعفت شوكة الثورة لجأ مع من لجأ إلى الأردن وبقي فيها سنتين لم ينقطع خلالهما عن العلم والتعليم. ولمّا هدأت الأوضاع عاد إلى بلده وشارك في النهضة التعليمية في دمشق بتوجيه محدّث الشام بدر الدين الحسني وتلميذيه الشيخ علي الدقر والشيخ هاشم الخطيب وأسسوا (الجمعية الغرّاء) للقيام برسالة التعليم وتخريج الفقهاء والوعّاظ والدعاة.
ثم أسس الشيخ (جمعية التوجيه الاسلامي) وقد شاركه في التأسيس ثلة من المشايخ. أخذت هذه الجمعية على عاتقها مهمة نشر العلوم الاسلامية وتخريج الدعاة من حَمَلَة الشهادات الشرعية مع ما تقوم به من أعمل خيرية أخرى.
كما شارك الشيخ في تأسيس رابطة العلماء في سورية وكان الأمين العام لها، وأسس أيضاً عدة جمعيات خيرية أخرى، وانتُخِب عضواً للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة. وكانت له مكانة مرموقة في الأوساط الدينية والعلمية في البلاد الاسلامية توفرت لديه إلى جانب غزارة علمه ووفرة ذكائه وقوة الشخصية ولطف المعشر والتحبب إلى الناس.
وإذا أردنا أن نختصر صفاته رحمه الله تعالى في عبارة واحدة فبإمكاننا أن نقول إنه كان أمة في رجل، ويتجلى ذلك من خلال تخريجه جيلاً كاملاً من العلماء الأكابر الذين ارتفع ذكرهم في الآفاق وتولوا من بعده مهمة التعليم والتوجيه.
لم يتفرغ الشيخ للتأليف بسبب مشاغله في العلم والتعليم لذا نجده مُقلاًّ منه باستثناء مقالات في موضوعات دينية وتوجيهية، وشرح لنظم الغاية والتقريب للعمريطي، ومولد نبوي.
توفي رحمه الله بدمشق ليلة الاثنين 14 ذي القعدة عام 1398هـ الموافق له 15 تشرين الأول 1978م عن عمر يناهز الإثنين والسبعين عاماًَ، حيث نعته المآذن والمنابر والإذاعات والصحف.
هذا وقد قال الشيخ أبو الحسن النَّدوي رحمه الله تعالى: "قد حُرِمَ العالم الإسلامي بوفاته عَلَماً من أعلام العلم والروحانية، فَقَدَ فيه رجلاً كبيراً لا ينساه التاريخ المعاصر ويسجّل آثاره بمداد النور ويخلِّد ذكره في سجل الخالدين العلماء الابرار والصالحين الأخيار رضوان الله عليهم أجمعين". ولابنه - أحد أنضج ثمرات غراسه ونتاج جهده وتربيته - المفكّر الإسلامي الشيخ عبد الرحمن كتاب حافل - لم يُطبع - في سيرة حياته وأثره على الحياة الدينية والسياسية في بلاد الشام، يسّر الله له النور.
رحم الله الشيخ "حسن حبنكة الميداني" رحمة واسعة وجزاه عن العلم والعلماء خير الجزاء