وسياق هذه الايات يقتضى ان خلق حواء كان قبل دخول ادم الجنه لقوله : ( ويا ادم اسكن انت وزوجك الجنه ) وهذا قد صرح به اسحاق بن يسار وهو ظاهر الايات .
ولكن حكى السدى عن ابى صالح وابى مالك عن ابن عباس ، وعن مره ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابه انهم قالوا : اخرج ابليس من الجنه واسكن ادم الجنه ، فكان يمشى فيها وحشيا ليس له فيها زوج يسكن اليها ، فنام نومه فاستيقظ وعند راسه امراه قاعده خلقها الله من ضلعه . فسألها : من انت ؟ قالت : امرأه . قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن الى ، فقالت له الملائكه ينظرون ما بلغ من علمه : ما اسمها يا ادم ؟ قال : حواء ، ولم كانت حواء ؟ قال لانها خلقت من شىء حى . وذكر محمد بن اسحاق عن ابن عباس : انها خلقت من ضلعه الاقصر الايسر وهو نائم ولام مكانه لحما .
ومصداق هذا فى قوله تعالى : ( يا ايها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) الايه . وفى قوله تعالى : ( هو الذى خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها ليسكن اليها فلما تغشاها حلمت حملا خفيفا فمرت به ) الايه . وسنتكلم عليها فيما بعد ان شاء الله تعالى .
وفى " الصحيحين " من حديث زائده ، عن ميسره الاشجعى ، عن ابى حازم ، عن ابى هريره ، عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال : " استوصوا بالنساء خيرا ، فان المرأه خلقت من ضلع ، وان اعوج شىء فى الضلع اعلاه ،فان ذهبت تقيمه كسرته ، وان تكته لم يزل اعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا " . لفظ البخارى . وقد اختلف المفسرون فى قوله تعالى : ( ولا تقربا هذه الشجره ) فقيل : هى الكرم ، وروى عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والشعبى ، وجعده بن هبيره ، ومحمد بن قيس ، والسدى فى روايه عن ابن عباس ،وابن مسعود ، وناس من الصحابه . قال : وتزعم يهود انها الحنطه ، وهذا مروى عن ابن عباس ، والحسن البصرى ، ووهب بن منبه ، وعطيه العوفى ، وابى مالك ، ومحارب بن دثار ، وعبد الرحمن بن ليلى . قال وهب : والحبه من الين من الزبد واحلى من العسل . وقال الثورى عن ابى حصين ، عن ابى مالك : ( ولا تقربا هذه الشجره ) هى النخله . وقال ابن جريج : هى التينه ، وبه قال قتاده ، وابن جريج . وقال ابو العاليه : كانت شجره من اكل منها احدث ، ولا ينبغى فى الجنه حدث .
وهذا الخلاف قريب ، وقد ابهم الله ذكرها وتعيينها ، ولو كان فى ذكرها مصلحه تعود الينا لعينها لنا كما فى غيرها من المحال التى تبهم فى القران .
وانما الخلاف الذى ذكروه فى ان هذه الجنه التى ادخلها ادم : هل هى فى السماء او قى الارض ، هو الخلاف الذى ينبغى فصله والخروج منه .
والجمهور على انها هى التى فى السماء وهى جنه المأوى ، لظاهر الايات والاحاديث كقوله تعالى : ( وقلنا يا ادم اسكن انت وزوجك الجنه ) والالف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظى ، وانما تعود على معهود ذهنى ، وهو المستقر شرعا من الجنه المأوى ، وهول موسى عليه السلام لادم عليه السلام : علام اخرجتنا ونفسك من الجنه ؟ ....... " الحديث كما سيأتى الكلام عليه .
وروى مسلم فى " صحيحه " من حديث ابى مالك الاشجعى - واسمه سعد بن طارق -عن ابى حازم سلمه بن دينار -عن ابى هريره ، وابو مالك عن ربعى ، عن حذيفه قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنه . فيأتون ادم فيقولون : يا ابانا استفتح لنا الجنه ، فيقول : وهل اخرجكم من الجنه الا خطيئه ابيكم ؟ " وذكر الجديث بطوله .
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع